فصل: تفسير الآية رقم (90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وساعة نسمع كلمة افتح أو فتَح أو فَتْح نفهم أن هناك شيئًا مغلقًا أو مشكلًا، فإن كان من المُحسّات يكون الشيء مغلقًا والفتح يكون بإزالة الأغلاق وهي الأقفال، وإن كان في المعنويات فيكون الفتح هو إزالة الإشكال، والفتح الحسي له نظير في القرآن، وحين نقرأ سورة يوسف نجد قوله الحق: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ ياأبانا مَا نَبْغِي هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا...} [يوسف: 65].
وكلمة {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} تعني أن المتاع الذي معهم كان مغلقًا واحتاج إلى فتح حسي ليجدوا بضاعتهم كما هي. وأيضًا يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَرًا حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا...} [الزمر: 73].
ومادام هناك أبواب تفتح فهذا فتح حسي، وقد يكون الفتح فتح علم مثلما نقول: ربنا فتح علينا بالإيمان والعلم، ويقول الحق: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ...} [البقرة: 76].
فما دام ربنا قد علمهم من الكتاب الكثير فهذا فتح علمي. ويكون الفتح بسوق الخير والإمداد به. والمثال على ذلك قوله الحق: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا...} [فاطر: 2].
وكذلك قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السماء والأرض...} [الأعراف: 96].
والبركات من السماء كالمطر وهو يأتي من أعلى، وهو سبب فيما يأتي من الأسفل أي من الأرض.
والفتح أيضًا بمعنى إزالة إشكال في قضية بين خصمين، ففي اليمن حتى الآن، يسمون القاضي الذي يحكم في قضايا الناس الفاتح لأنه يزيل الإشكالات بين الناس. وقد يكون الفتح بمعنى النصر، مثل قوله الحق: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ...} [البقرة: 89].
لقد كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لينتصروا به على الذين كفروا، ومن الفتح أيضًا الفصل في الأمر من قوله الحق هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين...} [الأعراف: 89].
وهذا القول هو دعاء للحق: احكم يا رب بيننا وبين قومنا بالحق بنصر الإِيمان وهزيمة الكفر، وأنت خير الفاتحين فليس لك هوى ضد أحد أو مع أحدٍ من مخلوقاتك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {إنْ عُدْنَا}.
شرط جوابه محذوف عند الجمهور أي: فقد افترينا، حذف لدلالة ما تقدم عليه، وعند أب زيد والمبرد والكوفيين هو قوله: {فقد افتَرْينا} وهو مردود بأنه لو كان جوابًا بنفسه لوَجَبَتْ فيه الفاء.
وقال أبو البقاء: {قد افترينا} بمعنى المستقبل؛ لأنه لم يقع، وإنما سَدَّ مَسَدَّ جواب {إنْ عُدْنا} وساغ دخولُ {قد} هنا لأنهم نَزَّلوا الافتراء عند العود منزلة الواقع فقرنوه بـ {قد}، وكأنَّ المعنى: قد افترَيْناه الآن إن هَمَمْنا بالعود.
وفي هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها استئناف إخبار فيه معنى التعجب، قاله الزمخشري، كأنه قيل: ما أكذبنا على الله إن عُدْنا في الكفر.
والثاني: أنها جواب قسم محذوف حذفت اللام منه، والتقدير: والله لقد افترينا، ذكره الزمخشري أيضًا، وجعله ابن عطية احتمالًا وأنشد: [الكامل]
بَقَّيْتُ مَالِي وانْحَرَفْتُ عَنِ العُلَى ** وَلَقِيتُ أضْيَافِي بِوَجْهِ عَبُوسِ

قال: كما تقول: افتريتُ على الله إن كلَّمت فلانًا ولم يُنْشِدْ ابن عطية البيت الذي بعد هذا، وهو محلُّ الفائدة؛ لأنه مشتمل على الشرط وهو: [الكامل]
إنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ هِنْدِ غَارَةً ** لَمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ نهابِ نُفُوسِ

قوله: {بَعْدَ إذْ نَجَّانَا} منصوب بـ {نعود} أي: ما يكون ولا يستقيم لنا عود بعد أن حصل لنا التنجيةُ منها.

.فصل في معنى التنجية:

وفي معنى {نَجَّانَا الله مِنْهَا} وجوه:
الأول: علمنا قبحه وفساده وبطلانه.
الثاني: أن الله نجّى قومه من تلك الملة، وإنما نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئًا منهم تغليبًا للأكثر.
الثالث: أن القوم أوهموا المستضعفين أنه كان على ملتهم، فقوله: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} أي على حسب معتقدكم.
قوله: {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} في هذا الاستثناء وجهان:
أحدهما: أنه متصل.
والثاني: أنه منقطع.
ثم القائلون بالاتصال مختلفون: فمنهم من قال: هو مستنثى من الأوقات العامة والتقدير: وما يكونُ لنا أن نعود فيها في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله ذلك، وهذا متصور في حقِّ مَنْ عدا شعيبًا، فإن الأنبياء لا يشاء الله ذلك لهم؛ لأنه عَصَمهم.
ومنهم من قال: هو مستثنى من الأحوال العامة والتقدير: ما يكون لنا أن نعود فيها في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى.
وقال ابن عطية: ويُحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعَبَّد الله به المؤمنين ممَّا تفعلهُ الكفرةُ من القُرُبات فلمَّا قال لهم: إنا لا نعودُ في مِلَّتكم، ثم خشي أن يتعَبَّد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحدٌ بذلك ويقول: هذه عودة إلى ملَّتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبَّدَ به.
قال أبو حيان: وهذا الاحتمال لا يَصِحُّ لأن قوله: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البر.
قال شهاب الدين: قد حكى ابن الأنباري هذا القول عن المعتزلة الذين لا يؤمنون بالإرادة ثم قال: وهذا القول مُتَنَاولهُ بعيد، لأن فيه تبعيض الملّة.
وقيل: هذا استثناء على سبيل التسليم والتأدُّب.
قال ابن عطية: ويقلق هذا التأويلُ من جهةِ استقبال الاستثناء، ولو كان الكلام: {إِلاَّ أَن يَشَاءَ} قوي هذا التأويل.
وهذا الذي قاله سهوٌ؛ لأنَّ الماضيَ يتخلَّص للاستقبال بعد إنْ الشرطية، كما يتخلَّص المضارع له بأنْ المصدرية.
وقيل: إن الضمير في قوله: {فيها} ليس عائدًا على المِلَّة، بل عائد على الفِرْية، والتقدير: وما يكون لنا أن نعود في الفِرْية إلا أن يشاء ربنا، وهو حَسَنٌ لولا بُعْدُه.
قوله: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}.
نصب {عِلْمًا} على التمييز وهو منقول من الفاعلية، تقديره: وَسِعَ علمُ ربِّنا كلَّ شيء كقوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْبًا} [مريم: 24] والمعنى: أحاط علمه بكل شيء.
ثم قال: {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا} فيما توعدوننا به، ثم دعا شعيب بعدما أيس من فلاحهم فقال: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين}.
قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: احكم واقض.
وقال الفراء: وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح؛ لأنه يفتح مواضع الحقِّ.
وعن ابن عباس قال: ما كنت أدري قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا} حتَّى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: أفاتحك أي: أحاكمك، وقد تقدَّم أن الفتح الحُكْم بلغة حمير.
وقيل: بلغة مُرَاد وأنشد: [الوافر]
ألاَ أبْلِغْ بَنِي عُصْمٍ رَسُولًا ** بِأنِّي عَنْ فَتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ

قال الزجاج: وجائز أن يكون قوله: {افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبني قومنا وينكشف والمراد منه أن ينزل عليهم عذابًا يدلُّ على كونهم مبطلين، وعلى كون شعيب وقومه محقين، وعلى هذا المراد بالفتح الكشف والتبيين، وكرر {بيننا وبين قومنا} بخلاف قوله: {حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} [الأعراف: 87] زيادة في تأكيد تمييزه، ومَنْ تبعه من قومه ثم قال: {وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} أي: خير الحاكمين أو خير المظهرين، وذا معنى قول من على المعنيين، والمراد به الثناء على الله تعالى. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ}.
نطقوا عن صحة عزائمهم حيث قالوا: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُم}، ثم أقروا بالشكر حيث قالوا: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا}، ثم تبرأوا عن حولهم وقوتهم حيث قالوا: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا} يعني إِنْ يُلْبِسنا لِباسَ الخذلان نُرَدُّ إلى الصغر والهوان.
ثم اشتاقوا إلى جميل التوكل فقالوا: {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا} أي به وَثِقْنَا، ومنه الخيرَ أَمَّلْنا.
ثم فوضوا أمورهم إلى الله فقالوا: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ} فتداركهم الحقُّ سبحانه عند ذلك بجميل العصْمة وحسن الكفاية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (90):

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما انقضى جواب الفصل المبني على إبطال الفضل وإظهار العدل، ذكر سبحانه قولهم بعده عاطفًا له على ما مضى من قولهم أو قوله، كان الأصل أن يقال: وقالوا، ولكنه أظهر الوصف بالشرف إشارة إلى أنه الذي حملهم على نتيجة الاستكبار وهي الكفر، ثم لم يرضوا به حتى أضافوا إليه تكفير غيرهم فقال: {وقال الملأ} أي الأكابر {الذين} يملؤون العيون مرأى والقلوب مهابة، فحلمهم التكبر على أنهم {كفروا}.
ولما كان من المستبعد أن يكون أقاربه يتنكبون عما أتاهم به من الخير لحسد أو اتهام أو غيرها، فكان ربما ظن أن هؤلاء الذين يعاملونه بهذه الغلطة أجانب عنه، قال: {من قومه} بيانًا لأن الفضل بيد الله فقد يؤتيه البغيض البعيد ويمنعه الحبيب القريب {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56]، ووطؤوا للقسم بقولهم: {لئن اتبعتم} أي أيها الأتباع ممن لم يؤمن بعد {شعيبًا} أو تركتم ما أنتم عليه مما أورثه لكم آباؤكم؛ واجاب القسم بما سد عن جواب الشرط بقوله: {إنكم إذًا} أي وقت اتباعه {لخاسرون} أي لأنكم استبدلتم بدين الآباء غيره وحرمتم فوائد البخس والتطفيف وقط السبل. اهـ.

.قال الفخر:

{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}.
اعلم أنه تعالى بين عظم ضلالتهم بتكذيب شعيب ثم بين أنهم لم يقتصروا على ذلك، حتى أضلوا غيرهم، ولاموهم على متابعته فقالوا: {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لخاسرون} واختلفوا فقال بعضهم: خاسرون في الدين وقال آخرون: خاسرون في الدنيا، لأنه يمنعكم من أخذ الزيادة من أموال الناس، وعند هذا المقال كمل حالهم في الضلال أولًا وفي الإضلال ثانيًا، فاستحقوا الإهلاك فلهذا قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة}. اهـ.